كان جالسا في ركن هادئ بعيد , يحرك يديه معا تارة الى الامام ,
واخرى للخلف , يأبى الاقتراب , عيونة حائرة تبحث عمن يمد يد العون له ,
انفاسة متسارعة بسرعة درجات الخوف . وحيدا خائفا يركل برجلية
على الارض يفرغ غضبة الداخلي دون أن يشعر بذلك .
ساورني احساس ...أهو جائع ؟ متعب أم يشعر بالملل والفراغ . ..عيونه خائفة ...
حائرة ..تكاد دمعته النزول ...لكنها خائفة من سخرية الاخرين
ومن شفقتهم عليه .
انه وليد ... وليدٌ لهذه الحالة , حالة لا تحتاج الا لمعاملة خاصة حتى يتمكن
من الاندماج في المجتمع الصعب الذي قليلا ما يتحمل هذه الفئة من الناس
ويخشى بعضهم ان يذكر وجودهم حتى ... ويعتبرونهم اموات لكنهم احياء
يخشى الأب على مركزه .. أو تخشى الام من عدم زواج ابنتها ...لان لديها
طفل معاق لكنه يعانى ويصرخ انا موجود كغيري من العباد ...يصارع من
اجل البقاء حتى تكتمل حياته ويعيش كما اختار الله له ذلك .
تملكني شعور هو أقرب للحزن عندما ناديته باسمه وارتجف .
وبسرعة بادرت الى تهدئته وملاعبته حتى يحظى بالثبات ,
وما احتاج ذلك الا لثواني معدودة ... وما أجملها من لحظات
عندما رمى برأسه بين يدّي شاعراً بالأمان .
سحبته بيده لأعمل بنصيحة ابو قراط بضرورة ممارسة التمارين
لانها كما يقول وسيله للشفاء
لنذهب معا حيث الهواء والأشجار , نمرح ...ونركض ونلهو...
حتى يَملنَا المكان ...
عندها ارتسمت علامات الفرح في عيونه ولمعت أهدابه في
اللحظة التي خانته دمعته العزيزة .
وانطلقنا حتى خيم الظلام فغداً لديه موعد مع اقرانه في المدرسة ...
فهم كثر كحاله يحس بينهم بالطمأنينة ولا يشعر بينهم بالغربة
فهم متشابهون حاله كحال الجميع .
خلد الى السريرهادئا مبتسماً ...بعد الاستحمام والطعام عندها ...
اقضت مضجعي الافكار وتاهت بين ضبابات الفكر ... لا ذنب له
لانه خلق هكذا ..هو ابتلاء من رب العالمين
كان نقص في الأكسجين اثناء الولادة ... ودعوت ربي ان يصبر
امه على ما ابتلاها به رب العباد .
وحل الصباح بأمل جديد له... وانطلقنا الى مكانه المفضل ...
وجلس بين أقرانه يتعلم يلعب .. يضحك .. يصرخ ..وأنا ارقبه من بعيد
وآذاني حائرة وصاغية ثم سمعت :
احدهما تقول ..سعيد اعاقته سبب وراثي .. واخرى تقول
اصيب بمرض الجلاكتوز..وهو مرض يحدث نتيجة خلل في
التمثيل الغذائي للخلية ويسبب في نقص الانزيم الذي يحول
سكر الجلاكتوز الى سكر جلوكوز
وتعددت الاسباب وكثرت الاقوال ...وما أدركت نفسي الا بوقت
الرحيل ينادي بأعلى صوته معلمتي ...اريد الذهاب الى البيت ...
وتمسك بيدي بشدة حتى احسست بالألم يعتصرها
الا أنها زالت مع بسمة ظهرت بين شفتيه تعبر عن فرح
يكاد الورق لا يحتملها.
وانتهى يومنا .....
حمدت ربي على نعمة الاسلام الذي علمنا الرأفة والرحمة
وادخال السرور لقلوب هذه الفئة المستضعفة والتي لا تحتاج
الا لمد يد العون لهم ليعيشوا بسلام .
وحمدت ربي انني لست من تلاميذ افلاطون الذي اخرج هذه الفئة
من مدينته الفاضلة لانهم لا يستطيعون أن يؤدوا وظائفهم بنجاح .